1 - أن صاحبه مترشح لقبول سائر العلوم ، مستطيل عليها ، متصرف فيها ، مالك لأزمتها ، لا يتعسر عليه منها شيء .
يروى عن أبي بكر أحمد بن موسى بن مجاهد المقرئ قال كنت عند الإمام أحمد بن يحيى ثعلب ، فتذاكرنا العلوم .
فقال لي : يا أبا بكر : شغلتم أنتم بتعليم القرآن ففزتم ، وشغل أهل الفقه بالفقه فنجوا ، وشغلت أنا بزيد وعمرو ، وما أدري ما يكون أمري غداً مع الله عز وجل ، وبكى بكاءً شنيعاً .
فانصرفت من عنده ، فرأيت في تلك الليلة محمد الزاهد في النوم .
فقال لي : يا أبا بكر ، أتعرف ثعلباً .
فقلت : صاحبنا .
فقال لي : إذا كان غداً فاقرأ عليه من الله السلام وقل له أنت غداً في القيامة صاحب العلم المستطيل .
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه:« تفقهوا في العربية فإنها تزيد في العقل وتثبت المروءة » والعقل أشرف ما في الإنسان ؛ إذ به يتميز عن الحيوان .
وقال قتـادة : « لا أسأل عن عقل رجل لم يدله عقله على أن يتعلم من العربية ما يصلح به لسانه ».
وقال مجاهد : « لأن أخطئ الآيةَ وأفقدها أحب إلي من أن ألحن في كتاب الله ».
2 - أن الله تبارك وتعالى أثنى عليها وندب إليها ، وامتن على عباده واصطفاها لكلامه ، وأكرم بها أهل جنته .
قال تعالى : ﴿ بلسان عربي مبين ﴾ وقال : ﴿ قرآناً عربياً غير ذي عوج ﴾ .
وقال صلى الله عليه وسلم: « تعلموا العربية ، وأعربوا القرآن ، والتمسوا غرائبه » .
وقال صلى الله عليه وسلم : « أَحِبُّوا العربَ لثلاثٍ : لأني عربي ، والقرآن عربي ، وكلام أهل الجنة عربي » .
وقال الحسين بن علي رضي الله عنه : « تعلموا العربية فإنها لسـان الله الذي يخاطـب به الناس يوم القيامة » .
وقال مقاتل بن سليمان : « كلام أهل السماء بالعربية » .
وقال ابن عباس : « ما أنزل الله كتاباً إلا بالعربية ، ثم يترجم لكل نبي بلسان أمته » .
وقال الأعور الشنِّي :
لسان الفتى نصفٌ ونصفٌ فؤادُه***فلم يبق إلا صورةُ الَّلحم والدَّمِ
وكائن ترى من صامت لك معجب***زيادتُهُ أو نقصُهُ في التَّكَلُّمِ
3 - السلامة من الإثم والتخلص من تبعات اللحن :
قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه : لأن أقرأ فأخطئ أحب إليَّ من أن أقرأ فألحن ؛ لأني إذا أخطأت تعلمت ، وإذا لحنت افتريت .
وقال الحسن البصري : من لحن في القرآن فقد كذب على الله عز وجل .
وقد قال بعض العلماء : من لحن في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كذب عليه ؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يلحن ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : « من كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار » .
وإن قيل فإن اللاحن غير متعمد ، قيل : إن على من يعرف أنه غير مجيد للنحو فعليه أن لا يقرأ كتاب الله ولا حديث نبيه صلى الله عليه وسلم ، وإلا أثم .
وقد روي عن بعض الفقهاء أنه قال : « من لحن في القرآن فقد كفر ، لأن قارئاً لو قرأ : ﴿ أنعمتُ عليهم ﴾ بضم التاء ، لكان ظاهر كلامه كفراً ، ولو قرأ : ﴿ ولم يكن له كفؤٌ أحداً ﴾ برفع كفؤ ونصب أحد ، لكان أثبت كفئاً لله تعالى » .
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا سمع قارئاً يخطئ فتح عليه ، وإذا سمعه يلحن ضربه بالدرة ، ولولا أنه يرى تأثيم اللحان ما ضربه .
ولحن أيوب السختياني مرة فقال : أستغفر الله .
4 - أنه يزيد من شرف الشريف ، ويرفع من قدر الخسيس ، ويكسوهما جمالاً .
قال ابن شبرمة : « إذا سرك أن تَعْظُمَ في عين من كنتَ في عينِهِ صغيراً ، ويَصْغُرَ من كان في عينِك عظيماً فتعلَّمِ العربيةَ ، فإنها تُجْرِيكَ على المنطق ، وتُدْنِيكَ من السلطان » .
وقال إسحاق بن خلف :
النحوُ يَبْسُطُ مِنْ لِسَانِ الأَلْكَنِ*** والمرءُ تُعْظِمُهُ إِذَا لم يَلْحَنِ
فإذا طَلَبتَ من العلومِ أَجَلَّها ***فَأَجَلُّهَا منها مُقِيمُ الألسُنِ
لَحْنُ الشريفِ يُزِيلُهُ عن قَدْرِهِ ***وتراهُ يَسْقُطُ من لِحَاظِ الأَعْيُنِ
وَتَرى الوضيعَ إذا تَكَلَّمَ مُعْرِباً***نَالَ المَهَابَةَ باللِّسَانِ الأَلْسَنِ
ما وَرَّثَ الآباءُ عِنْدَ وَفَاتِهِم***لِبنيهمُ مثلَ العلومِ فَأَتْقِنِ
فَاطْلُبْ هُدِيتَ ولا تَكُنْ مُتَأَبِّياً***فالنحوُ زينُ العَالِمِ المُتَفَنِّنِ
والنحوُ مثلُ الملحِ إِنْ أَلْقَيْتَهُ***في كُلِّ صِنْفٍ مِنْ طَعَامٍ يَحْسُنِ
وقال ابن سيرين : « ما رأيتُ على رجلٍ أحسنَ من فصاحةٍ ، ولا على امـرأةٍ أحسـنَ من شحمٍ » .
وقال وهب بن جرير : « تعلمِ النحو فإنك لن تتعلمَ منه باباً إلا تدَّرعت من الجمال سربالاً » .
5 - حسن الفهم والإفهام ، وبلوغ الغرض بالكلام ، فربما يتكلم بخلاف ما يريد ، فأي نقيصة أعظم من أن يريد الإنسان أن يعبر عما في ضميره فلا يقدر على ذلك إلا بتحريف الكلام :
يروى أن أعرابياً سمع مؤذناً يقول : أشهدُ أن محمداً رسولَ الله ( بنصب رسول ) . فقال : ويحك يفعل ماذا ؟ .
وقال رجل لأعرابي : كيف أهلِك ؟ قال : صلباً .
وسمع أعرابيٌ إماماً يقرأ ﴿ ولا تَنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ﴾ بفتح التاء من ( تنكحوا ) .
فقال : سبحان الله هذا قبل الإسلام قبيح فكيف بعده ؟! .
فقيل له : إنه لَحَنَ ، والقراءةُ : ﴿ ولا تُنكحوا المشركين ﴾ بضم التاء .
فقال : قَبَّحَهُ الله لا تخلوه بعدها إماماً ، فإنه يحل ما حرّم الله .
6 - التخلص من اشمئزاز العرب من اللحن :
كان العرب يشمئزون كثيراً من اللحن فقد قال نبينا صلى الله عليه وسلم : « ولدت في عبد مناف ، وأُرضعت في سعد بن بكر فأنى يأتيني اللحن » . وإنما قال ذلك أنفة منه وتنَزُّهاً عنه .
وروي أن الشعبي كان يقول : « اللحنُ في الشريفِ كالجدري في الوجه » .
وسمع الحجاج رجلاً يلحن فقال : « أما يستحي أحدكم أن يكون مثل عبدِه » .
ولحن رجلاً عند أبي عمرو بن العلاء فقال : « ما أراك إلا رجلاً نذلاً » .