مدى قدرة لغتنا العربية على حمل مضامين الثقافة والفكر
تتسم اللغة العربية بقدرتها الكبيرة على حمل مضامين الثقافة والفكر اللذين تعبر عنهما ، وهذه القدرة تستمدها من كونها لغة القرآن الكريم ، ولسانه المبين الذي عجز عن مباراته كل من ملك ناصية البيان ، وسبر أغوار اللغة وأسرارها ، مما يعد تشريفاً للغة الضاد التي خصها الله سبحانه وتعالى بدقة الأداء وقدرة الإحاطة بدقائق المعاني ، وكفلها بحفظه حين تكفل بحفظ كتابه العزيز ، وهذا يفسر بقاء اللغة العربية حية في النفوس على الرغم من الوهن الذي أصاب أهلها ، بينما اندثرت لغات أخرى كثيرة حين ضعفت قوة الناطقين بها ، وهل اللغة التي استوعبت كتاب الله عز وجل ، وأُعجز بها العرب والعجم أن يأتوا بمثل ألفاظها تعجز عن التعبير عن العلوم الحديثة .
ومما تتميز به لغتنا العربية في هذا المجال الأمور التالية :
1 - اللغة العربية لغة اشتقاق :
وهـذا لا وجود له في جميع اللغات الهندية والجرمانية ، وهي اللغات التي تكتب بالحروف اللاتينية ، فإذا قابلنا العربية باللغات الاشتقاقية كالإنجليزية والفرنسية نجد أن العربية امتازت بأمور كثيرة ، منها :
* سعتها : فعدد كلمات الفرنسية 25 ألف كلمة .
والإنجليزية 100 ألف كلمة .
و أما العربية 400 ألف كلمة .
ومعجم لسان العرب يحتوي على ( 80 ) ألف مادة لا كلمة ، ومواد اللغة العربية تتفرع إلى كلمات ، فإذا فرضنا أن نصف مواد المعجم متصرفة ، بلغ عدد ما يشتق منها نصف مليون كلمة وليس في الدنيا لغة اشتقاقية أخرى غنية بكلماتها إلى هذا الحد .
** تفوق اللغة العربية على الإنجليزية في الأصوات وفي الألفاظ :
ففي العربية 28 حرفاً ، وفي الإنجليزية 26 حرفاً
وليس في هذه الحروف الثمانية والعشرين حروف تدل على أصوات مكررة بخلاف الإنجليزية .
*** وجود حروف لأصوات لا توجد في كثير من اللغات الأخرى :
مثل : ح ، خ ، ض ، ط ، ظ ، ع ، غ ، ق .
2 - أن جميع مشتقاتها تقبل التصريف إلا فيما ندر :
وهذا يجعلها طوع أهلها من غيرها وأوفى بحاجة المتكلمين .
3 - غاية ما أخذته العربية من غيرها من اللغات بعض ألفاظ مفردة في باب الأسماء لا يتجاوز بعض المئين وأكثرها من الأسماء الجامدة . كخز وديباج وإستبرق وترياق وفالوذج .
حتى عندما أخذوا العلوم عن اليونان والفرس عربوها بلغتهم ولم يأخذوا ألفاظ اللغة الأخرى ، فلما أخذوا علم المنطق من اليونان لم يأخذوه بألفاظه كما هو عند اليونان بل قالوا : موضوع ومحمول وقضية وقياس واستنتاج ومقدمة صغرى ومقدمة كبرى ونتيجة والتصديق وكلي وجزئي .
وبهذا استغنت العربية عن اصطلاحات اللغة اليونانية بألفاظ من ألفاظها أدت معانيها تمام التأدية من غير صعوبة ولا التباس .
4 - أعطت اللغة العربية حروفها الهجائية للملايين من الشعوب : كالترك والهنود وحتى المورو في جزر الفلبين يكتبون بالعربية إلى هذه الساعة .
كما أعطت لغات الأتراك والتتر والفرس والأوردو المئات من ألفاظ المعاني ومئات الألوف من الجمل التامة .
بل أعطت كثيراً من اللغات مصطلحات العلوم وبخاصة الأتراك من نحو علم اللغة والبلاغة والبديع والعروض والفلسفة حتى بدء القرن 19 م .
كما أعطت لغات أوربا الأرقام العربية وكثيراً من أسماء المعاني والمصطلحات العلمية .
5 - أن اللغة العربية هضمت علوم اليونان والفرس والسريان دون أن يظهر فيها عجز أو ضعف . إلى غير ذلك من الأمور